لغز طبي لرجل لم ينم عامين يحير العلماء.. “أشعر كأني بدرع حديدية وعيناي تذوبان”
النوم من أكبر الألغاز التي تحكم حياة الإنسان، فهو ليس مجرد راحة بل ضرورة بيولوجية للحياة. فالجسم والعقل يعيدان شحن طاقتهما عبر ساعات النوم، وبدونه يبدأ الإنسان في الانهيار جسدياً ونفسياً. لكن ماذا لو وُجد شخص لم ينم لعامين كاملين؟ هل يمكن أن يظل حياً؟ وكيف سيكون شعوره؟
هذا ما كشفته حالة نادرة حيّرت العلماء والأطباء حول العالم، لرجل ادعى أنه لم يذق طعم النوم لأكثر من 24 شهراً متواصلاً، واصفاً معاناته بجملة غريبة: “أشعر كأني أرتدي درعاً حديدية وعيناي تذوبان”. هذه القصة لم تثر فضول وسائل الإعلام فحسب، بل طرحت أيضاً أسئلة كبرى حول طبيعة النوم وأسراره التي لم تُكتشف بالكامل حتى الآن.
في هذا المقال سنأخذك في رحلة لفهم القصة الغامضة، ونستعرض رأي العلماء والأطباء حولها، ونفتح الباب أمام القارئ للتفكير في حدود قدرة الجسم البشري على تحمل الحرمان من النوم، ولماذا يعتبر النوم من أعقد الألغاز في عالم الطب.

بداية القصة: رجل يتحدى النوم
الرجل، والذي فضّل بعض التقارير إبقاء هويته غامضة، بدأ يعاني فجأة من حالة غريبة: عدم القدرة على النوم إطلاقاً. ورغم محاولاته المتكررة باستخدام المهدئات والأعشاب الطبية والطرق التقليدية، إلا أن جسده رفض الاستجابة للنوم.
إقرأ أيضا:ضغط الدم والسكري والإيدز.. 3 أمراض أخطر على الرجال من النساءفي البداية، ظن الأطباء أن ما يعانيه مجرد حالة من الأرق الحاد، وهي حالة شائعة قد تمتد أياماً أو أسابيع. لكن المدهش أن حالته استمرت عاماً كاملاً ثم امتدت لعام ثانٍ دون أن يتمكن من إغلاق عينيه لدقائق معدودة كما يحدث مع المصابين بالأرق.
الرجل نفسه وصف حالته قائلاً:
“أشعر كأنني أرتدي درعاً حديدية يضغط على جسدي من كل اتجاه، وكأن عيناي تذوبان من شدة الإرهاق. أحياناً أتمنى لو أنني أفقد الوعي فقط لأحصل على قسط من الراحة”.
لماذا يعتبر الأمر لغزاً طبياً؟
ما يجعل هذه الحالة استثنائية أن العلم يؤكد أن الحرمان التام من النوم لأسابيع طويلة يؤدي إلى انهيار عصبي كامل ثم الموت. التجارب المخبرية على الحيوانات أوضحت أن الفئران التي تُحرم من النوم تموت بعد أقل من شهر واحد.
أما البشر، فقد سُجلت حالات نادرة استطاع أشخاص البقاء مستيقظين لعدة أيام، مثل تجربة الطالب الأمريكي “راندي غاردنر” الذي حطم الرقم القياسي في الستينات ببقائه مستيقظاً 11 يوماً متواصلاً، لكنه عانى من هلوسات وفقدان ذاكرة مؤقت.
إذن، كيف يمكن لرجل أن يستمر لعامين بلا نوم ويبقى على قيد الحياة؟ هذا السؤال جعل الأطباء والباحثين يصفون حالته بأنها “لغز طبي”.
احتمالات طبية لتفسير الحالة
الأطباء حاولوا وضع تفسيرات علمية لهذه الظاهرة، ومن أبرز الاحتمالات:
إقرأ أيضا:اكتشاف جين خامل يعيد الأمل في إنقاذ حياة مرضى النوبات القلبية الخطيرة1. النوم الدقيق (Microsleep):
من الممكن أن الرجل ينام لفترات وجيزة جداً دون أن يلاحظ، مثل ثوانٍ أو دقائق، وهو ما يعرف بالنوم الدقيق. هذا النوع من النوم يحدث أحياناً لسائقي السيارات عند التعب، حيث يغمض الدماغ نفسه لثوانٍ بينما تظل العينان مفتوحتين.
2. اضطراب النوم النادر (الأرق العائلي المميت – Fatal Familial Insomnia):
وهو مرض وراثي قاتل يجعل المصاب غير قادر على النوم إطلاقاً حتى يموت. لكن هذا المرض نادر للغاية ويحدث غالباً في منتصف العمر ويؤدي للوفاة خلال عامين تقريباً. حالة الرجل لم تتطابق تماماً مع هذه الصورة.
3. خلل في الساعة البيولوجية:
قد يكون الرجل يعاني من اضطراب شديد في إيقاع الساعة الداخلية للجسم، مما يجعله غير قادر على الدخول في مراحل النوم العميق، ويظل في حالة من اليقظة المستمرة.
4. خطأ في إدراك النوم:
هناك اضطراب نفسي يسمى “إدراك النوم الخاطئ”، حيث يشعر المريض بأنه لم ينم إطلاقاً رغم أنه يدخل في نوم خفيف دون وعيه بذلك.
شعور الرجل أثناء الحرمان من النوم
الرجل وصف مشاعره بتفاصيل تقشعر لها الأبدان. فقد قال إنه يشعر بضغط رهيب على عضلاته وكأن درعاً حديدياً يقيّد جسده، بينما عيناه تؤلمانه وكأنهما تذوبان. وأضاف أن تفكيره أصبح بطيئاً، وذاكرته قصيرة المدى شبه معطلة، لدرجة أنه ينسى ما فعله قبل دقائق.
إقرأ أيضا:الأطباء يتوصلون لتقنية جديدة.. حل آلام الركبة يبدأ من الأذن!كما ذكر أنه يعاني من تشوش في الرؤية، وأحياناً يرى أشياء غير موجودة بالفعل. هذه الأعراض تتطابق مع ما يسميه الأطباء “الهلوسات البصرية” الناتجة عن قلة النوم.
رأي العلماء في القضية
العلماء الذين تابعوا حالته أكدوا أن الجسم البشري لا يستطيع العيش بدون نوم مطلق لفترة طويلة. ولذلك رجحوا أنه يمر بفترات نوم دقيقة لا يدركها. وأشاروا إلى أن الدماغ لديه آلية دفاعية تجبره على الدخول في حالة إغلاق ولو لثوانٍ، حتى لو رفض الإنسان النوم.
لكن اللافت أن جميع الفحوصات الطبية التي أجريت له لم تظهر نشاطاً واضحاً في الموجات الدماغية التي تعكس الدخول في نوم طبيعي. وهذا ما جعل الحالة أكثر إثارة للجدل.
التأثيرات الخطيرة للحرمان الطويل من النوم
حرمان الجسم من النوم لفترات طويلة يؤدي إلى سلسلة من المشكلات الصحية، منها:
1. تراجع القدرة المعرفية وصعوبة التركيز.
2. ضعف جهاز المناعة وزيادة التعرض للعدوى.
3. خلل في الهرمونات، خصوصاً هرمونات النمو والشهية.
4. مشاكل في القلب وارتفاع ضغط الدم.
5. اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب والهلوسة.
6. خطر الموت المفاجئ في الحالات القصوى.
هذه التأثيرات تجعل من حالة الرجل أكثر غرابة، إذ أنه ورغم معاناته ما زال على قيد الحياة بعد عامين.
الجانب النفسي والمعاناة الإنسانية
بعيداً عن التحليل العلمي، فإن التجربة الإنسانية للرجل مؤلمة. فهو يعيش حالة دائمة من الإرهاق، ويشعر أنه محاصر داخل جسده. وصف حالته بأنه يعيش في “سجن اليقظة” المستمرة.
فقد النوم يعني فقد القدرة على الاستمتاع بالحياة اليومية، وعدم القدرة على التفاعل مع الآخرين بشكل طبيعي. كما أن العزلة التي يعيشها تسببت له في انهيارات نفسية متكررة.
هل هناك علاج لحالته؟
الأطباء حاولوا استخدام جميع الوسائل التقليدية لعلاج الأرق، مثل:
المهدئات والمنومات.
العلاج السلوكي المعرفي.
تقنيات الاسترخاء والتأمل.
جلسات التحفيز المغناطيسي للدماغ.
لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل. وما زال العلماء يبحثون عن تفسير أو حل يساعده على النوم.
ما الذي تكشفه هذه الحالة عن أسرار النوم؟
هذه القصة الغامضة تعيد طرح سؤال قديم جديد: لماذا ننام؟ رغم التقدم العلمي الكبير، ما زال النوم واحداً من أكثر الألغاز في الطب. نحن نعرف أنه ضروري للحياة، لكن آلية عمله الدقيقة ما زالت غير مفهومة بالكامل.
الحالات النادرة مثل هذه قد تساعد العلماء على كشف المزيد من الأسرار حول كيفية عمل الدماغ، وكيف ينظم نفسه بين اليقظة والنوم.
هل يمكن أن يعيش الإنسان بلا نوم؟
الإجابة العلمية: لا. لكن ما قد يحدث هو أن يدخل الإنسان في حالات نوم دقيقة دون وعيه. ربما هذا ما يحدث مع الرجل، وربما حالته تكشف عن نمط غير معروف بعد من أنماط النوم.
بعض العلماء يشيرون إلى احتمال أن الدماغ يطور آليات طوارئ لحماية الجسم من الانهيار، حتى لو شعر المريض أنه لم ينم إطلاقاً.
قصة الرجل الذي لم ينم لعامين كاملين تظل لغزاً محيراً يجمع بين العلم والخيال. فهي تكشف عن مدى تعقيد النوم كظاهرة بيولوجية لا غنى عنها. ورغم معاناته الشديدة وشعوره وكأن جسده مقيد بدرع حديدي وعيناه تذوبان، فإن حالته فتحت الباب أمام أبحاث جديدة قد تغير فهمنا للنوم.
النوم يظل واحداً من أعظم أسرار الحياة، وهذه القصة تذكرنا بأن العلم ما زال أمامه الكثير ليكتشفه عن أعمق وظيفة يقوم بها الدماغ البشري.