مع التقدم في العمر، تبدأ أجسامنا في مواجهة تغيرات فسيولوجية تدريجية قد لا نلاحظها في البداية، ولكنها تترك آثارها على الصحة العامة بمرور الوقت. لذلك يُعتبر إجراء الفحوصات الدورية للدم بعد سن الأربعين خطوة أساسية للحفاظ على الصحة، والكشف المبكر عن أي مشكلات قبل تفاقمها. فالدم يعكس حال الجسم من الداخل، ويمكن من خلال تحليله التعرف على مؤشرات دقيقة للأمراض المزمنة مثل السكري، وأمراض القلب، والكبد، والكلى، واضطرابات الهرمونات.
في هذا المقال سنتحدث بالتفصيل عن 7 فحوص دم موصى بها علميًا لكل شخص تجاوز الأربعين، مع شرح أهميتها، وكيفية الاستعداد لها، وماذا تعني نتائجها، لتكون دليلك العملي نحو حياة صحية ومتوازنة.

أولًا: تحليل سكر الدم (Glucose Test)
يُعتبر فحص سكر الدم من أهم التحاليل التي يجب إجراؤها بعد سن الأربعين، حيث تزداد احتمالية الإصابة بمرض السكري مع التقدم في العمر نتيجة تغيّر استجابة الجسم للأنسولين.
يُقاس سكر الدم بعد صيام 8 ساعات على الأقل، ويساعد هذا الفحص في تحديد ما إذا كان الشخص مصابًا بمرحلة ما قبل السكري أو بالسكري فعلاً.
القيم الطبيعية: أقل من 100 ملغم/ديسيلتر.
ما قبل السكري: من 100 إلى 125 ملغم/ديسيلتر.
إقرأ أيضا:الجبن يحميك من مرض خطيرالسكري: 126 ملغم/ديسيلتر أو أكثر في اختبارين منفصلين.
كما يمكن للطبيب طلب اختبار HbA1c، وهو فحص يقيس معدل السكر في الدم خلال الثلاثة أشهر الماضية، ويُعطي رؤية أوضح عن استقرار مستوى الجلوكوز.
نصيحة: يجب تكرار تحليل السكر مرة سنويًا على الأقل، أو كل 6 أشهر في حال وجود تاريخ عائلي للسكري أو زيادة في الوزن.
ثانيًا: فحص دهون الدم (Lipid Profile)
ارتفاع الكوليسترول والدهون الثلاثية من العوامل الأساسية المسببة لأمراض القلب وتصلب الشرايين. لذلك يُعد تحليل دهون الدم الكامل من الفحوص المهمة جدًا بعد سن الأربعين.
يشمل هذا التحليل قياس أربعة عناصر رئيسية:
الكوليسترول الكلي (Total Cholesterol)
الكوليسترول الجيد (HDL)
الكوليسترول الضار (LDL)
الدهون الثلاثية (Triglycerides)
القيم المثالية:
الكوليسترول الكلي أقل من 200 ملغم/ديسيلتر.
الكوليسترول الضار أقل من 100 ملغم/ديسيلتر.
الكوليسترول الجيد أكثر من 40 للرجال و50 للنساء.
الدهون الثلاثية أقل من 150 ملغم/ديسيلتر.
في حال كانت النتائج غير طبيعية، ينصح الطبيب بتعديل النظام الغذائي وممارسة الرياضة، وقد يصف أدوية خافضة للكوليسترول.
ثالثًا: فحص وظائف الكبد (Liver Function Test)
الكبد هو العضو المسؤول عن تنقية الدم والتخلص من السموم، وأي خلل في وظائفه قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة. مع تقدم العمر، قد تتأثر كفاءة الكبد بسبب تناول الأدوية أو العادات الغذائية الخاطئة أو العدوى الفيروسية.
إقرأ أيضا:نصائح “تشات جي بي تي” للحصول على نوم جيد في شهر رمضانيقيس فحص وظائف الكبد مستويات الإنزيمات التالية:
ALT وAST: تشير إلى صحة خلايا الكبد.
ALP وGGT: تُظهر مدى كفاءة تدفق العصارة الصفراوية.
البيليروبين (Bilirubin): ارتفاعه يدل على ضعف قدرة الكبد على معالجة السموم.
الألبومين (Albumin): يعكس قدرة الكبد على إنتاج البروتينات.
متى يُجرى؟
ينصح بإجرائه مرة كل عامين بعد الأربعين، أو بشكل دوري لمن يتناول أدوية مزمنة أو يعاني من السمنة أو أمراض الكبد.
رابعًا: فحص وظائف الكلى (Kidney Function Test)
تُعد الكليتان من أهم أعضاء الجسم في تصفية الدم من الفضلات. ومع التقدم في العمر، قد تقل كفاءتهما تدريجيًا. لذلك يُعتبر تحليل وظائف الكلى ضروريًا للكشف المبكر عن أي خلل.
يتضمن الفحص:
قياس الكرياتينين (Creatinine): لمعرفة مدى كفاءة الكلى في تنقية الدم.
فحص نيتروجين اليوريا في الدم (BUN): لتقدير قدرة الكلى على التخلص من النفايات.
معدل الترشيح الكبيبي (GFR): يُعطي مؤشرًا دقيقًا على كفاءة الكلى.
أي ارتفاع في هذه القيم قد يشير إلى ضعف وظائف الكلى، مما يتطلب تدخلًا طبيًا سريعًا للوقاية من الفشل الكلوي المزمن.
خامسًا: فحص الغدة الدرقية (Thyroid Function Test)
الغدة الدرقية تتحكم في معدل التمثيل الغذائي ووزن الجسم والطاقة والمزاج. ومع التقدم في العمر، قد تحدث اضطرابات في إفراز الهرمونات الدرقية دون ملاحظة الأعراض مباشرة.
إقرأ أيضا:احذروا برودة القدمين.. قد تنذر بأمراض خطيرةيُقاس في هذا التحليل:
TSH (الهرمون المنبه للغدة الدرقية)
T3 وT4 (هرمونات الغدة الأساسية)
ارتفاع أو انخفاض هذه القيم يدل على وجود قصور أو فرط في نشاط الغدة.
ومن أبرز أعراض اضطرابات الغدة الدرقية: التعب، زيادة أو فقدان الوزن المفاجئ، تساقط الشعر، بطء في التركيز، وتقلب المزاج.
ينصح بإجراء الفحص مرة كل سنة بعد الأربعين، خاصة للنساء، لأن اضطرابات الغدة أكثر شيوعًا بينهن.
سادسًا: فحص فيتامين D والكالسيوم
مع التقدم في العمر، تبدأ كثافة العظام بالانخفاض تدريجيًا، خصوصًا لدى النساء بعد سن اليأس. لذلك يُعد فحص فيتامين D والكالسيوم من التحاليل الضرورية بعد الأربعين للحفاظ على صحة العظام.
فيتامين D: يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم وبناء العظام. نقصه يؤدي إلى هشاشة العظام وضعف المناعة.
الكالسيوم: عنصر أساسي للحفاظ على صلابة العظام والأسنان ووظائف العضلات.
القيم الطبيعية لفيتامين D تتراوح بين 30 و100 نانوغرام/مل.
وفي حال انخفاضه، ينصح الطبيب بالتعرض المعتدل لأشعة الشمس وتناول المكملات الغذائية حسب الحاجة.
سابعًا: تحليل الدم الشامل (Complete Blood Count – CBC)
يُعد هذا التحليل من أكثر الفحوص شمولية وأهمية، لأنه يقدم نظرة عامة على الحالة الصحية للجسم من خلال تقييم:
خلايا الدم الحمراء: للكشف عن فقر الدم.
خلايا الدم البيضاء: لتحديد وجود التهابات أو عدوى.
الصفائح الدموية: لتقييم قدرة الدم على التجلط.
يساعد هذا الفحص في الكشف المبكر عن أمراض الدم، مثل الأنيميا ونقص الفيتامينات، وحتى بعض أنواع السرطان.
وينصح الأطباء بإجرائه بشكل سنوي كتحليل أساسي لمتابعة الصحة العامة.
أهمية إجراء الفحوصات بانتظام بعد سن الأربعين
الهدف من هذه الفحوصات ليس فقط اكتشاف الأمراض، بل أيضًا الوقاية منها. فالكشف المبكر يمنح فرصة أكبر للعلاج السريع والفعال، ويقلل من خطر المضاعفات الخطيرة.
كما أن مراقبة التغيرات في القيم المخبرية تساعد الطبيب في تعديل نمط الحياة أو وصف العلاج المناسب قبل تطور أي حالة مرضية.
تذكر:
احرص على إجراء الفحوص في مختبر موثوق.
لا تتناول الطعام قبل الفحوص التي تتطلب الصيام.
احتفظ بسجل نتائجك لمقارنتها بمرور الوقت.
نصائح للحفاظ على صحة الدم والجسم بعد الأربعين
اتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضروات والفواكه والألياف.
تقليل استهلاك السكريات والدهون المشبعة.
ممارسة النشاط البدني بانتظام، كالمشي أو السباحة.
تجنب التدخين والكحول.
الحصول على قسط كافٍ من النوم.
متابعة ضغط الدم ومعدل نبض القلب.
مراجعة الطبيب فور ظهور أي أعراض غير معتادة.
إجراء الفحوصات الدورية للدم بعد سن الأربعين خطوة ذكية للحفاظ على الصحة، فهي تكشف عن مؤشرات دقيقة يمكن أن تنقذ حياتك في الوقت المناسب.
ومن خلال هذه التحاليل السبعة – سكر الدم، دهون الدم، وظائف الكبد والكلى، الغدة الدرقية، فيتامين D، وتحليل الدم الشامل – يمكنك مراقبة صحتك عن قرب، واتخاذ قرارات واعية للحفاظ على جسمك في أفضل حالاته.
الصحة ليست مجرد غياب المرض، بل هي توازن مستمر يحتاج إلى وعي ومتابعة، ومع هذه الفحوص الدورية ستكون خطوتك القادمة نحو حياة أطول وأكثر حيوية بإذن الله.
