قلة الحركة أصبحت تُصنّف اليوم كأحد أخطر التهديدات الصحية في العصر الحديث، حتى أن دراسات حديثة شبّهت آثارها السلبية بالتدخين من حيث التأثير على الصحة العامة ومتوسط العمر. في هذا الدليل الشامل، سنستعرض بالتفصيل كيف تؤثر قلة النشاط البدني على الجسم والعقل، ونقدم نصائح عملية لتجنب هذا الخطر الصامت.

قلة الحركة: خطر صحي يعادل التدخين
أظهرت دراسة نشرتها مجلة “لانسيت” أن قلة الحركة تتسبب في 10% من أمراض القلب والدورة الدموية والسكري وسرطان الثدي وسرطان الأمعاء على مستوى العالم. وأشارت إلى أن قلة النشاط الجسدي تخفض متوسط الأعمار بشكل يشبه التأثير السلبي للتدخين والبدانة.
الأمراض المرتبطة بقلة الحركة
1. أمراض القلب والأوعية الدموية
قلة الحركة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. الجلوس لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى تراكم الدهون في الأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم. كما أن قلة النشاط البدني تؤثر سلبًا على نسبة الكوليسترول في الدم، حيث ترتفع مستويات الكوليسترول السيئ (LDL) وتنخفض مستويات الكوليسترول الجيد (HDL).
2. داء السكري من النوع الثاني
قلة الحركة تعتبر أحد أهم العوامل المساهمة في تطور داء السكري من النوع الثاني. عندما لا يتحرك الجسم بشكل كافٍ، يتباطأ معدل الأيض ويصبح الجسم أقل قدرة على استخدام الجلوكوز كمصدر للطاقة، مما يؤدي إلى تراكم السكر في الدم.
إقرأ أيضا:اكتشاف جزيء مُقاوم للموت قد يُبطئ تطور الشلل الرعاش3. السمنة
قلة الحركة هي السبب الرئيسي لزيادة الوزن والسمنة. عند الجلوس لفترات طويلة دون حرق كميات كافية من السعرات الحرارية، يخزن الجسم هذه الطاقة الزائدة في شكل دهون. ومع مرور الوقت، قد يؤدي هذا إلى تراكم الوزن بشكل غير صحي وزيادة في نسبة الدهون في الجسم.
4. آلام الظهر والمفاصل
البقاء في وضعيات ثابتة لفترات طويلة، خاصة الجلوس، يؤثر بشكل كبير على صحة العمود الفقري والمفاصل. عند الجلوس بشكل غير صحيح أو لفترات طويلة، تتعرض عضلات الظهر والعمود الفقري لضغط مستمر، مما يؤدي إلى آلام الظهر المزمنة. كما أن قلة الحركة تؤدي إلى ضعف العضلات والمفاصل، مما يزيد من خطر الإصابات.
5. الاكتئاب والقلق
قلة الحركة لا تؤثر فقط على الصحة البدنية، بل لها تأثيرات كبيرة على الصحة النفسية أيضًا. الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين لا يمارسون نشاطًا بدنيًا بانتظام هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق. الحركة تعزز إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين، التي تساعد في تحسين المزاج والشعور بالرفاهية.
توصيات منظمة الصحة العالمية للنشاط البدني
توصي منظمة الصحة العالمية بممارسة النشاط البدني بانتظام للوقاية من الأمراض غير السارية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وداء السكري، ولتحسين الصحة النفسية والعقلية. تشمل التوصيات:
إقرأ أيضا:تبرع له بالسرطانالبالغون (18-64 سنة): ممارسة 150-300 دقيقة من النشاط البدني المعتدل الشدة أسبوعيًا، أو 75-150 دقيقة من النشاط البدني الشديد الشدة، أو مزيج من الاثنين.
الأطفال والمراهقون (5-17 سنة): ممارسة 60 دقيقة يوميًا على الأقل من النشاط البدني المعتدل إلى الشديد الشدة.
كبار السن (65 سنة فما فوق): نفس توصيات البالغين مع إضافة تمارين التوازن للحفاظ على المرونة والوقاية من السقوط.
نصائح لزيادة النشاط البدني في الحياة اليومية
المشي: استخدم الدرج بدلًا من المصعد، وامشِ لمسافات قصيرة بدلًا من استخدام السيارة.
التمارين المنزلية: قم بتمارين بسيطة مثل القرفصاء أو تمارين التمدد أثناء مشاهدة التلفاز.
الأنشطة الترفيهية: شارك في أنشطة مثل ركوب الدراجة أو السباحة أو الرقص.
العمل النشط: قم بأخذ فترات راحة قصيرة للوقوف أو المشي خلال ساعات العمل الطويلة.
التخطيط: حدد أوقاتًا محددة في جدولك اليومي لممارسة النشاط البدني.
هل قلة الحركة تسبب الوفاة المبكرة؟
نعم، العديد من الدراسات الطبية حذّرت من أن قلة الحركة ترتبط بزيادة خطر الوفاة المبكرة، حتى في حال عدم وجود أمراض مزمنة مسبقة.
وفقًا لدراسة نشرتها جامعة “كامبريدج”، الجلوس لفترات طويلة دون حركة يومية كافية يزيد من خطر الوفاة بنسبة تصل إلى 22%، وتزداد النسبة في حال وجود نمط غذائي غير صحي.
من المهم أن نُدرك أن الجسم البشري مُصمم للحركة، وأي خلل في هذا التوازن الطبيعي يؤثر بشكل مباشر على الأجهزة الحيوية.
كم عدد الساعات الآمنة للجلوس يوميًا؟
أشارت عدة دراسات إلى أن الجلوس لأكثر من 6 إلى 8 ساعات يوميًا دون حركة أو فواصل نشاط يُعد مضرًا بالصحة، حتى وإن كنت تمارس التمارين في وقت لاحق.
لذلك يُنصح بتقسيم الجلوس الطويل بفواصل حركية كل 30 إلى 60 دقيقة – مثل الوقوف، المشي لبضع دقائق، أو القيام بتمارين التمدد.
لماذا الجلوس الطويل خطر حتى لو كنت تمارس الرياضة؟
من أبرز الأسئلة الشائعة: “أنا أمارس الرياضة يوميًا، هل الجلوس الطويل ما زال ضارًا؟”
الإجابة: نعم. لأن التمارين اليومية لا تعوّض الضرر الناتج عن ساعات الجلوس الطويل دون حركة. يُطلق على هذا النمط من الحياة “الرياضي الخامل” (Active Couch Potato).
بمعنى أنك قد تتمرن ساعة يوميًا، ولكنك تقضي باقي اليوم جالسًا أمام المكتب أو التلفاز، مما يؤدي لتراكم الآثار السلبية.
ما هو الحل الأمثل للأشخاص الذين يعملون أمام الكمبيوتر؟
للعاملين في المكاتب، أو من يعملون من المنزل:
استخدم مكاتب الوقوف (Standing Desks) التي تتيح لك العمل وأنت واقف.
اضبط منبّهًا كل ساعة لتذكيرك بالتحرك لمدة 5 دقائق.
قم بتمارين بسيطة أثناء الجلوس: مثل رفع الساقين أو تحريك الرقبة والكتفين.
مارس المشي أثناء المكالمات الهاتفية أو الاجتماعات الافتراضية.
كيف أعرف أنني أعاني من قلة الحركة؟
هناك مؤشرات تدل على أن نمط حياتك غير نشط بدنيًا، منها:
الشعور الدائم بالخمول أو قلة الطاقة.
ضعف في اللياقة البدنية وسرعة التعب.
زيادة الوزن دون تغيير واضح في النظام الغذائي.
آلام الظهر والرقبة بشكل متكرر.
اضطرابات في النوم أو المزاج.
إن كنت تعاني من اثنين أو أكثر من هذه الأعراض، فربما حان الوقت لإعادة تقييم نمط حركتك اليومي.
هل هناك تطبيقات تساعد على زيادة النشاط البدني؟
نعم، وهناك تطبيقات مخصصة لتنبيهك بالحركة وتسجيل نشاطك اليومي منها:
Google Fit: يسجل خطواتك ويقدم تقارير أسبوعية.
Samsung Health: يقدم برامج للمشي والجري وتمارين المنزل.
MyFitnessPal: لتتبع السعرات والنشاط.
Stand Up! The Work Break Timer: لتنبيهك بضرورة الوقوف والتحرك خلال العمل.
الفرق بين قلة الحركة والخمول البدني
قلة الحركة: تعني عدم ممارسة نشاط بدني كافٍ على مدار اليوم.
الخمول البدني: هو نمط حياة سلبي تمامًا، لا يشمل أي شكل من النشاط.
كلا الحالتين مضرتان، لكن الخمول يعد الأسوأ لأنه يؤدي إلى تسارع في تدهور الصحة الجسدية والنفسية.
تأثير قلة الحركة على الأطفال والمراهقين
قلة الحركة لا تقتصر مخاطرها على الكبار فقط، بل تؤثر على الأطفال أيضًا:
تضعف نمو العضلات والعظام.
تؤثر سلبًا على التركيز والتحصيل الدراسي.
تزيد من احتمالات الإصابة بالسمنة في سن مبكر.
تقلل من مهارات التواصل الاجتماعي بسبب الانعزال الرقمي.
ينصح الخبراء بأن يُخصص الأطفال وقتًا لا يقل عن ساعة يوميًا للحركة والنشاط البدني خارج الأجهزة الإلكترونية.
قصص حقيقية ودراسات تدق ناقوس الخطر
في إحدى الدراسات المنشورة في مجلة American Journal of Epidemiology، تم تتبع أكثر من 125 ألف شخص على مدى 21 عامًا، وأظهرت النتائج أن الذين يجلسون أكثر من 6 ساعات يوميًا كان لديهم معدل وفاة أعلى بنسبة 37% مقارنة بالذين يتحركون باستمرار.
وأظهرت تقارير من “منظمة القلب الأمريكية” أن قلة النشاط البدني مسؤولة عن وفاة 1 من كل 10 أشخاص عالميًا – ما يعادل تقريبًا عدد الوفيات المرتبطة بالتدخين.
خطوات بسيطة لكن فعّالة لتغيير نمط الحياة:
ابدأ بالمشي 15 دقيقة يوميًا، وزد الوقت تدريجيًا.
استخدم دراجة ثابتة أو جهاز مشي أثناء مشاهدة التلفاز.
اشترك في نشاط جماعي: مثل كرة قدم، زومبا، أو سباحة.
حمل عداد خطوات وضع هدفًا يوميًا (مثل 8000 خطوة).
اجعل الحركة عادة يومية لا مناسبة عرضية.
قلة الحركة وباء العصر
قلة الحركة أصبحت أحد أكبر التهديدات الصامتة لصحة الإنسان، وتم تصنيفها كسبب رئيسي للأمراض المزمنة، تمامًا كالتدخين. لكن الفرق هو أن تغيير هذا السلوك في متناول الجميع.
ابدأ اليوم، ولو بخطوة بسيطة. كل حركة تقربك من صحة أفضل وحياة أطول. لا تنتظر إصابة أو مرض يدفعك للحركة، بل اجعل النشاط أسلوب حياة.