تحذير طبي خطير: النوم بسماعات الأذن قد يؤدي إلى الخرف على المدى الطويل
في زمن أصبحت فيه السماعات جزءًا من الحياة اليومية، سواء للاستماع إلى الموسيقى أو البودكاست أو حتى لتجنب الضوضاء الخارجية أثناء النوم، حذّر طبيب أعصاب صيني من مخاطر خطيرة قد لا يدركها الكثيرون، أبرزها زيادة احتمالية الإصابة بـ الخرف واضطرابات الدماغ على المدى الطويل.
الدكتور باي بينغ تشين، وهو أخصائي أعصاب بارز في جامعة قوانغتشو الطبية، أوضح أن النوم بسماعات الأذن عادة شائعة لكنها قد تكون مدمّرة للصحة العصبية والسمعية، خصوصًا عند استخدامها لفترات طويلة وبمستويات صوت مرتفعة.

أولاً: ما وراء التحذير – كيف تبدأ المشكلة من الأذن لتصل إلى الدماغ؟
لفهم تأثير هذه العادة، يجب أن نعرف أولاً أن الأذن ليست مجرد وسيلة للسمع، بل هي نظام دقيق يرتبط مباشرة بالمخ عبر الأعصاب السمعية.
عندما تُرسل الأصوات إلى الدماغ بشكل متكرر وطويل أثناء النوم، خاصة إن كانت مرتفعة، فإن خلايا الشعر الدقيقة في الأذن الداخلية – المسؤولة عن استقبال الذبذبات الصوتية – تتعرض لإجهاد وتلف تدريجي.
الدكتور تشين أوضح أن هذه الخلايا لا تتجدد، وعند تلفها يبدأ الدماغ في فقدان قدرته على معالجة الإشارات السمعية بدقة، مما يؤدي إلى ضعف السمع التدريجي، وهو أحد العوامل التي ترتبط لاحقاً بزيادة خطر الإصابة بالخرف، مثل مرض الزهايمر وأنواع أخرى من التدهور المعرفي.
إقرأ أيضا:علاج فعال منذ عصر الفراعنة.. 10 فوائد صحية لزيت الخردلثانياً: العلاقة بين ضعف السمع والخرف – ماذا تقول الدراسات؟
خلال السنوات الأخيرة، أكدت أبحاث متعددة أن ضعف السمع المزمن يزيد خطر الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالأشخاص الذين يتمتعون بسمع طبيعي.
ويُعتقد أن السبب هو أن الدماغ يضطر لبذل جهد إضافي لفهم الأصوات والكلمات، مما يقلل من قدرته على معالجة المعلومات الأخرى.
كما أن العزلة الاجتماعية الناتجة عن ضعف السمع تلعب دوراً كبيراً؛ فالأشخاص الذين يجدون صعوبة في التواصل قد ينسحبون تدريجياً من التفاعل مع الآخرين، مما يُسرّع من التدهور العقلي والعاطفي.
الدكتور باي بينغ تشين شدد على أن النوم بسماعات الأذن، خصوصاً إذا كانت تصدر أصواتاً عالية لفترات طويلة، يمكن أن يضع المستخدمين في دائرة الخطر نفسها.
ثالثاً: لماذا يُعتبر النوم بسماعات الأذن خطيراً على المخ؟
إلى جانب ضعف السمع، فإن النوم بسماعات الأذن يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الدماغ. إليك كيف:
اضطراب الدورة الدموية داخل الأذن
الضغط المستمر من السماعات، خاصة داخل الأذن، يقلل تدفق الدم إلى الأنسجة الدقيقة، مما يُضعف تغذية الأعصاب السمعية.
تأثير الاهتزازات الصوتية على الخلايا العصبية
الذبذبات الصوتية المستمرة أثناء النوم تُبقي الدماغ في حالة نشاط جزئي، فلا يدخل في مراحل النوم العميق، وهي المراحل الضرورية لترميم الخلايا العصبية وتجديد الطاقة الذهنية.
إقرأ أيضا:6 هوايات تجعلك أكثر سعادة.. في الشتاءقلة جودة النوم وتأثيرها على الذاكرة
الأصوات المتقطعة أو التغير المفاجئ في مستوى الصوت يمكن أن يقطع دورة النوم الطبيعية. ومع الوقت، يؤدي ذلك إلى ضعف في الذاكرة والتركيز وزيادة خطر الاكتئاب والخرف.
تراكم الشمع وانسداد الأذن
الاستخدام المطوّل للسماعات يمنع التهوية داخل القناة السمعية، مما يسبب تراكم الشمع ونمو البكتيريا، وقد يؤدي ذلك إلى التهابات مزمنة في الأذن تؤثر بدورها على الأعصاب السمعية.
رابعاً: المخاطر لا تتوقف عند السمع فقط
النوم بسماعات الأذن لا يهدد السمع فحسب، بل يمتد خطره إلى الصحة العامة للجسم.
زيادة خطر التهابات الأذن الوسطى
السماعات تُشكل بيئة دافئة ورطبة مثالية لنمو الفطريات والبكتيريا. استخدام نفس السماعة يومياً دون تنظيفها قد يسبب التهابات مزمنة.
مشكلات في التوازن
الأذن الداخلية مسؤولة أيضاً عن التوازن. وعند تعرضها للضغط أو الضرر، قد يعاني الشخص من دوخة مستمرة أو دوار مفاجئ.
إجهاد الدماغ ونقص الأوكسجين
خلال النوم، يُفترض أن تكون الأعصاب السمعية في حالة راحة. لكن عند تشغيل الأصوات باستمرار، تظل هذه الأعصاب في حالة نشاط دائم، ما يسبب إجهاداً عصبياً قد يؤثر على خلايا الدماغ المسؤولة عن الإدراك.
خامساً: الأصوات العالية وتأثيرها على خلايا الشعر في الأذن الداخلية
الدكتور باي بينغ تشين أشار إلى أن الأصوات العالية تفقد خلايا الشعر في الأذن الداخلية قدرتها على الاهتزاز الطبيعي، فتتلف تدريجياً.
هذه الخلايا تُعد خط الدفاع الأول للسمع، وهي المسؤولة عن تحويل الذبذبات إلى إشارات عصبية تُرسل للمخ.
عندما تتعرض هذه الخلايا للضرر، لا يمكن إصلاحها أو استبدالها. ومع مرور الوقت، يؤدي ذلك إلى فقدان سمع دائم يصعب علاجه.
والأخطر أن هذا الضرر قد يكون صامتاً في بدايته، حيث لا يشعر الشخص بأي أعراض واضحة إلا بعد فوات الأوان.
سادساً: تأثير النوم بسماعات الأذن على المدى الطويل
الاستخدام المستمر لسماعات الأذن أثناء النوم يؤدي إلى تراكم أضرار متتالية تشمل:
اضطراب في الإشارات العصبية بين الأذن والمخ.
ضعف التركيز وزيادة النسيان.
تأخر الاستجابة السمعية والإدراكية.
ارتفاع خطر الإصابة بالخرف المبكر أو الزهايمر.
تؤكد تقارير طبية أن الأشخاص الذين يستخدمون السماعات لأكثر من 4 ساعات يومياً، خصوصاً أثناء النوم، لديهم معدلات أعلى من اضطرابات السمع والمزاج.
سابعاً: أنواع السماعات ومدى خطورتها
ليس كل أنواع السماعات تسبب الضرر نفسه، لكن بعضها أكثر خطورة من غيرها:
السماعات الداخلية (In-Ear)
هي الأكثر ضرراً لأنها تدخل مباشرة إلى القناة السمعية وتمنع التهوية الطبيعية للأذن.
السماعات الرأسية (Over-Ear)
أقل ضرراً نسبياً، لكنها قد تسبب ضغطاً على الأذن الخارجية وتؤدي لالتهابات عند الاستخدام الطويل.
السماعات اللاسلكية الصغيرة (Earbuds)
غالباً ما تُستخدم أثناء النوم، لكنها خطيرة بسبب قربها من غشاء الأذن واحتمال تسرب موجات بلوتوث منخفضة التردد.
ثامناً: كيف يمكن تقليل المخاطر؟
إذا كنت ممن يفضلون الاستماع للموسيقى أو الأصوات الهادئة أثناء النوم، فهناك طرق آمنة لتجنب الأضرار:
استخدام مكبر صوت منخفض بعيد عن الرأس
بدلاً من السماعات، استخدم مكبر صوت صغير أو جهاز ذكي يشغل الأصوات المريحة مثل صوت المطر أو الأمواج.
تقليل مستوى الصوت
احرص أن لا يتجاوز مستوى الصوت 60% من الحد الأقصى للجهاز. الأصوات العالية هي السبب الأول في تلف السمع.
تحديد مؤقت زمني
فعّل خاصية إيقاف التشغيل التلقائي بعد 30 دقيقة من بدء النوم. هذا يمنحك الراحة دون تعريض أذنك للأصوات طوال الليل.
تنظيف السماعات بانتظام
في حال اضطررت لاستخدامها، نظّفها يومياً بالكحول الطبي لتجنب البكتيريا والفطريات.
اختيار سماعات مخصصة للنوم
توجد الآن أنواع خفيفة ومسطحة مصممة خصيصاً للنوم، تكون أكثر أماناً من السماعات التقليدية.
تاسعاً: علامات تشير إلى أن أذنك تتضرر
هناك أعراض يجب الانتباه لها لأنها قد تكون دليلاً على بداية تلف الأذن:
طنين أو صفير في الأذن.
ضعف القدرة على سماع الأصوات المنخفضة.
الشعور بانسداد الأذن أو امتلائها.
دوار متكرر أو فقدان توازن.
زيادة الحساسية للأصوات العالية.
في حال ظهور أي من هذه الأعراض، يجب مراجعة طبيب أنف وأذن فوراً لتقييم الحالة قبل تفاقم الضرر.
عاشراً: الآثار العصبية والنفسية طويلة الأمد
قد يتساءل البعض: كيف يمكن لعادة بسيطة مثل النوم بسماعات الأذن أن تؤدي إلى الخرف؟
الجواب يكمن في التفاعل المعقد بين السمع والدماغ. فحين يتعرض الدماغ لإشارات صوتية مستمرة، فإنه يفقد قدرته على الراحة العصبية ويعاني من تراجع تدريجي في كفاءة نقل الإشارات العصبية.
ومع مرور الوقت، يتأثر عمل الفص الصدغي في المخ – وهو الجزء المسؤول عن معالجة الأصوات واللغة – مما يؤدي إلى ضعف إدراكي تدريجي يشبه بداية الخرف.
كما أن قلة النوم الناتجة عن هذه العادة تؤثر على الذاكرة قصيرة المدى والانتباه، وهما من أول الوظائف التي تتدهور في حالات الخرف المبكر.
الحادي عشر: نصائح أطباء الأعصاب للحفاظ على صحة السمع والدماغ
تجنب استخدام السماعات لأكثر من ساعة متواصلة.
استخدمها فقط أثناء الاستيقاظ، وليس أثناء النوم.
قم بإجراء فحص سمع دوري كل 6 أشهر.
احرص على نوم عميق ومنتظم لتجديد خلايا الدماغ.
مارس الرياضة بانتظام لتحسين الدورة الدموية في الأذن والدماغ.
اتبع نظاماً غذائياً غنياً بمضادات الأكسدة مثل فيتامين E وأوميغا 3 لحماية الأعصاب السمعية.
الثاني عشر: الجانب النفسي والاجتماعي للظاهرة
تزايد الاعتماد على السماعات يعكس أيضاً اتجاهاً اجتماعياً جديداً نحو العزلة الصوتية. فالكثير من الناس يهربون من الضوضاء أو من التفاعل الاجتماعي إلى عالمهم الخاص من خلال سماعات الأذن.
لكن هذا الانعزال الصوتي قد يؤثر سلباً على الدماغ مع مرور الوقت، لأنه يقلل من المحفزات السمعية الطبيعية التي تُبقي المخ نشطاً ومتواصلاً مع البيئة.
الثالث عشر: هل يمكن عكس الضرر؟
في المراحل المبكرة، يمكن تحسين السمع والأداء العصبي من خلال:
التوقف الفوري عن استخدام السماعات أثناء النوم.
الخضوع لجلسات علاج سمعي.
تناول مكملات غذائية داعمة للأعصاب مثل فيتامين B12 والمغنيسيوم.
لكن إذا كان الضرر قد وصل إلى خلايا الشعر الداخلية، فلا يمكن إصلاحه، لذا الوقاية تبقى أفضل من العلاج.
الرابع عشر: التكنولوجيا الحديثة وحلول بديلة آمنة
الشركات بدأت تدرك خطورة هذه المشكلة، وبدأت بتطوير تقنيات أكثر أماناً، مثل:
وسائد ذكية تصدر أصواتاً مهدئة دون الحاجة إلى سماعات.
أجهزة صوتية تعتمد على الموجات فوق السمعية التي لا تؤذي الأذن.
تطبيقات تساعد على النوم الهادئ من خلال تدريبات تنفس موجهة بدلاً من الموسيقى المستمرة.
الراحة التي تمنحها سماعات الأذن أثناء النوم راحة مؤقتة قد تتحول إلى خطر دائم. فالأذن عضو حساس يرتبط مباشرة بالدماغ، وأي ضرر يصيبها يمكن أن يؤثر على الذاكرة والتركيز والإدراك.
تحذير الدكتور باي بينغ تشين ليس مبالغة، بل دعوة للتفكير في عاداتنا اليومية التي نمارسها دون وعي. فالنوم بسماعات الأذن قد يبدو أمراً بسيطاً، لكنه قد يفتح الباب أمام فقدان السمع والخرف المبكر.
الحل بسيط: أعط أذنك وعقلك فرصة للراحة، فالصمت أحياناً هو أفضل موسيقى لصحتك.
